السكري

لسُّكَّري أو الداء السكري أو المرض السكري أو البوال السكري وغيرها (باللاتينية: Diabetes mellitus) هو متلازمة تتصف باضطراب الاستقلاب وارتفاع شاذ في تركيز سكر الدم الناجم عن عوز الأنسولين، أو انخفاض حساسية الأنسجة للأنسولين، أو كلا الأمرين. يؤدي السكري إلى مضاعفات خطيرة أو حتى الوفاة المبكرة، إلا أن مريض السكري يمكنه أن يتخذ خطوات معينة للسيطرة على المرض وخفض خطر حدوث المضاعفات. يعاني المصابون بالسكري من مشاكل تحويل الغذاء إلى طاقة (الأيض)، فبعد تناول وجبة الطعام، يتم تفكيكه إلى سكر يدعى الغلوكوز ينقله الدم إلى جميع خلايا الجسم. وتحتاج أغلب خلايا الجسم إلى الأنسولين ليسمح بدخول الغلوكوز من الوسط بين الخلايا إلى داخل الخلايا.
كنتيجة للإصابة بالسكري، لا يتم تحويل الغلوكوز إلى طاقة مما يؤدي إلى توفر كميات زائدة منه في الدم بينما تبقى الخلايا متعطشة للطاقة. ومع مرور السنين، تتطور حالة من فرط سكر الدم (باللاتينية: hyperglycaemia) الأمر الذي يسبب أضراراً بالغة للأعصاب والأوعية الدموية، وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى مضاعفات مثل أمراض القلب والسكتة وأمراض الكلى والعمى واعتلال الأعصاب والتهابات اللثة، والقدم السكرية، بل ويمكن أن يصل الأمر إلى بتر الأعضاء.


سكري النمط الأول
يتميز النمط الأول من السكري بخسارة الخلايا بيتا المنتجة للأنسولين في خلايا لانغرهانس بالبنكرياس مما يؤدي إلى نقص الأنسولين. والسبب الرئيسي لهذه الخسارة هو مناعة ذاتية  تتميز بهجوم الخلايا تاء المناعية على خلايا بيتا المنتجة للأنسولين. ولا توجد وسيلة للوقاية من الإصابة بالنمط الأول من السكري الذي يمثل 10% من حالات مرضى السكري في أمريكا الشمالية وأوروبا، مع اختلاف التوزيع الجغرافي، ومعظم المصابون بالمرض كانوا أما بصحة جيدة أو ذي أوزان مثالية عندما بدأت أعراض المرض بالظهور. وتكون استجابتهم لمفعول الأنسولين عادية (لا توجد مقاومة) خصوصاً في المراحل الأولى. يمكن للنمط الأول أن يصيب الأطفال أو البالغين ولكنه معروف تقليدياً بسكري الأطفال لأن معظم المصابون به من الأطفال.
ويُعالج النمط الأول بصورة أساسية – حتى أثناء المراحل الأولى – بحقن الأنسولين مع المراقبة المستمرة لمستويات غلوكوز الدم. ويمكن أن يصاب المريض الذي لا يتعاطى الأنسولين بالحماض الكيتوني السكري الذي يؤدي إلى غيبوبة أو الوفاة. ويجب التأكيد على المريض بأن يضبط أسلوب حياته خصوصاً فيما يتعلق بالقوت وتمرينات رياضية على الرغم من أن كل ذلك لا يمكنه أن يعوض خسارة الخلايا بيتا. وبعيداً عن الاستخدام التقليدي لحقن الأنسولين تحت الجلد، يمكن توصيل الأنسولين للدم عن طريق مضخة – يمكنها تسريب الأنسولين على مدار اليوم وبمستويات معينة – كما يمكن التحكم في الجرعات (مثل إعطاء جرعة كبيرة) – حسب الحاجة – في أوقات الوجبات. كما كان يوجد أيضاً نوع من الأنسولين يمكن استنشاقه يسمى "اكسوبيرا" الذي اعتمدته وكالة العقار الأمريكية (FDA) في يناير من عام 2006، ولكن شركة فايزر أوقفت إنتاجه في أكتوبر من سنة 2007.
ويستمر علاج النمط الأول من السكري بلا نهاية. ولا يؤثر العلاج بصورة كبيرة على الأنشطة الحياتية للمريض إذا كان هناك تعود ووعي ورعاية سليمة وكذلك انتظام في أخذ الجرعات وقياس مستوى غلوكوز الدم. ولأن اتباع العلاج يكون ثقيلاً على المرضى، فإن الأنسولين يُؤخد بطريقة غير سوية وبعيدة كل البعد عن النظام المفترض. ويجب أن يكون متوسط مستوى غلوكوز الدم بالنسبة للنمط الأول قريباً قدر الإمكان من المستوى الطبيعي الآمن (80 – 120 مليجرام / ديسيلتر أو 4 – 6 مليمول / لتر) ويرجح بعض الأطباء أن يتراوح مستوى غلوكوز الدم بين 140 و 150 مجم / ديلتر (7 – 7,5 مليمول / لتر) للمرضى الذين يعانون إذا كان مستوى غلوكوز الدم منخفضا لديهم (يحدث لهم انخفاض متكرر في مستوى غلوكوز الدم). أما المستويات الأعلى من 200 مجم / ديسيلتر (10 مليمول / لتر) يصاحبها في بعض الأحيان عدم راحة وتبول متكرر يؤدي إلى جفاف. والمستويات الأعلى من 300 مجم / ديسيلتر (15 مليمول / لتر) تتطلب عادة العلاج لأنه يمكنها أن تؤدي لالحماض الكيتوني السكري لكنها لا تهدد حياة المريض على أي حال. أما المستويات المنخفضة لغلوكوز الدم فيمكنها أن تسبب تشنجات أو فترات من فقد الوعي ومن الضروري وبشدة علاجها في الحال.


سكري النمط الثاني
يتميز النمط الثاني من السكري باختلافه عن النمط الأول من حيث وجود مقاومة مضادة لمفعول الأنسولين بالإضافة إلى قلة إفراز الأنسولين. ولا تستجيب مستقبلات الأنسولين الموجودة في الأغلفة الخلوية لمختلف أنسجة الجسم بصورة صحيحة للأنسولين. بالمراحل الأولى تكون مقاومة الأنسولين هي الشذوذ الطاغي في استجابة الأنسجة للأنسولين ومصحوبة بارتفاع مستويات أنسولين في الدم. وفي هذه المرحلة يمكن تقليل مستوى غلوكوز الدم عن طريق وسائل وأدوية تزيد من فاعلية الأنسولين وتقلل إنتاج الغلوكوز من الكبد. وكلما تطور المرض تقل كفاءة إفراز الأنسولين من البنكرياس وتصبح هناك حاجة لحقن الأنسولين.
وتوجد العديد من النظريات التي تحاول تحديد سبب وآلية الإصابة بالنمط الثاني من السكري. ومن المعروف أن الكرش، أي الدهون التي تتركز حول الوسط على الأعضاء داخل البطن وليس الدهون تحت الجلد، تؤدي إلى مقاومة الأنسولين. وتنشط الدهون هرمونياً وتفرز مجموعة من الهرمونات التي تقلل من فاعلية الأنسولين. ويعاني من السمنة 55% من المرضى المصابين بالنمط الثاني من السكري. وتوجد عوامل أخرى مثل التقدم بالعمر، فحوالي 20% من المسنين يعانون من السكري في أمريكا الشمالية، وتاريخ العائلة، حيث يشيع النمط الثاني أكثر في الأفراد الذين لديهم أقارب عانوا منه سابقاً، وقد بدأ النمط الثاني بإصابة الأطفال والمراهقين باضطراد في العقد السابق وربما يرجع ذلك إلى انتشار سمنة الأطفال في بعض الأماكن في العالم.
ويمكن أن يستمر النمط الثاني بدون ملاحظة المريض لفترة طويلة بسبب ضعف ظهور الأعراض أو بسبب عدم وضوحها أو اعتبارها مجرد حالات فردية عابرة لا توحي بوجود مرض. وعادة لا يعاني المريض من الحماض الكيتوني. ولكن يمكن أن تنتج مضاعفات خطيرة من عدم ملاحظة المرض مثل قصور كلوي الناتج عن اعتلال الكلى السكري أو مرض وعائي، مثل مرض في الشريان التاجي، أو مرض في العين ناتج عن اعتلال الشبكية السكري، أو فقد الإحساس بالألم بسبب اعتلال الأعصاب السكري، أو تلف الكبد ناتج عن التهاب كبدي دهني لا كحولي، أي أن سببه ليس مشروبات كحولية، كما يحدث في العادة.
ويبدأ علاج النمط الثاني عادة عن طريق زيادة النشاط البدني وتقليل تناول النشويات وتقليل الوزن. ويمكن لهذه الإجراءات أن تستعيد فاعلية الأنسولين حتى لو كان فقد الوزن قليلاً (5 كيلوغرامات على سبيل المثال) خصوصاً لو كان من منطقة الكرش. ويمكن في بعض الحالات التحكم في مستوى غلوكوز الدم بصورة جيدة بواسطة هذه الإجراءات فقط ولفترة طويلة ولكن ميل الجسم لمقاومة الأنسولين لا ينتهي ولذلك يجب الانتباه إلى مواصلة النشاط البدني وفقد الوزن والحفاظ على نظام غذائي مناسب للمرض. وتكون الخطوة التالية من العلاج عادة هي تناول الأقراص المخفضة للسكر. ويضعف إنتاج الأنسولين إلى حد ما في بداية النمط الثاني من السكري ولذلك يمكن تعاطي دواء عن طريق الفم (يُستعمل في العديد من الوصفات الطبية التي تحتوي على مجموعة من الأدوية) لتحسين إنتاج الأنسولين (عائلة السلفونيل يوريا) أو لتنظيم الإفراز غير المناسب للغلوكوز من الكبد ولإضعاف مقاومة الأنسولين إلى حد ما (الميتفورمين) أو لإضعاف مقاومة الأنسولين بصورة كبيرة (مثل الثيازوليدينديونات). وقد وجدت إحدى الدراسات أن بمقارنة المرضى البدناء الذين يتعاطون الميتفورمين بأولئك الذين يعتمدون على ضبط النظام الغذائي فقط فإن تعاطي الميتفورمين يقلل احتمال إصابة بمضاعفات خطيرة بنسبة 32% ويقل احتمال الموت بسبب مرض السكري بنسبة 42% بل وتقل لديهم احتمال الوفاة أو الإصابة بالسكتة الدماغية لأي سبب بنسبة 36%.[26] ويمكن للدواء الفموي أن يفشل في النهاية بسبب الضعف المتواصل لإفراز الأنسولين من الخلايا بيتا وعند الوصول لهذه المرحلة يجب تعاطي حقن الأنسولين للتحكم في غلوكوز الدم.
يماثل سكري الحوامل النمط الثاني في العديد من الأوجه فعلى سبيل المثال يتشابهان في قلة الأنسولين النسبية وضعف استجابة أنسجة الجسم لمفعول الأنسولين. ويعاني ما بين 2 و 5% من الحوامل من هذا المرض ولكنه يختفي أو تتحسن حالة الأم بعد الولادة. ويمكن الشفاء من سكري الحوامل بصورة نهائية ولكنه يتطلب مراقبة طبية دقيقة أثناء فترة الحمل. ولكن ما بين 20 و 50% من الأمهات اللاتي عانين من سكري الحوامل يمكن أن يصابوا بالنمط الثاني في مراحل لاحقة من حياتهم.
وعلى الرغم من أن الإصابة وقتية وليست دائمة إلا أن سكري الحوامل يمكن أن يدمر صحة الأم الحامل أو صحة الجنين. ومن المخاطر التي يتعرض لها الجنين: تضخم جسد الجنين، أي زيادة وزنه عند الولادة، تشوهات في القلب أو الجهاز العصبي المركزي، وكذلك تشوهات في الجهاز الهيكلي. ويمكن لزيادة نسبة الأنسولين في الجنين أن تمنع إنتاج المواد السطحية وتؤدي لمتلازمة ضيق التنفس ويمكن أن يحدث يرقان نتيجة تدمير خلايا الدم الحمراء. وفي الحالات الخطيرة يمكن أن يموت الجنين قبل الولادة ويحدث ذلك في معظم الحالات نتيجة قلة التغذية عبر المشيمة بسبب ضعف الأوعية الدموية. ويمكن حث الولادة في حالة هبوط وظيفة المشيمة. ويمكن إجراء عملية قيصرية إذا كان هناك صعوبة في إخراج الجنين أو احتمال إصابته نتيجة تضخم جسده مثل صعوبة إخراج الكتفين.

آخر تحديث
5/23/2011 3:38:44 PM
 

أضف تعليقك
الاسـم :
 
البريد الالكتروني :
 
رقم الجوال :
عنوان التعليق :
 
التـعـلـيـق :
 
أدخل الأحرف
الموجودة في الصورة :